FOR SAT
2017-01-13, 03:08 PM
الْحَمدُ للهِ الذي أحلَّ لِعبادِهِ الطيباتِ ، وحرَّمَ عليهم الخبائثَ ، وَوَضَعَ عَنهُم إصْرَهُم والأغلالَ التي كانتْ عليهِم .
والصلاةُ والسَّلامُ على مَن جاءَ في صِفَتِهِ :
(الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
أمَّا بَعدُ :
فإنَّ الشَّرِيعةَ جَاءَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَصَالِحِ وتَكْميلِها ، وتقليلِ الْمَفَاسِدِ وإعْدامِها ، كَمَا هُوَ مُقرَّرٌ عِندَ العلماءِ .
ومَنْ تأمَّلَ في الْمَنْهِيَّاتِ وَجَدَ أنَّها جاءتْ لِمَصْلَحَةِ الإنسانِ وحمايتِهِ ووقايتِهِ ِمِن كُلِّ ما يؤذيه ويضرُّهُ .
أيَّها المؤمنونَ :
يَتَّفِقُ العقلاءُ قبلَ وُرُودِ الشرعِ على الامتناعِ عمّا يضرُّ ؛
فقد وُجِدَ مِنْ أهلِ الجاهليةِ مَنْ لَمْ يعبدِ الأصنامَ ، ومَنْ لَمْ يشربِ الخمرَ ، بلْ وَمَنْ لَمْ يأكلْ ما ذُبِحَ للأصنامِ ، وَمَا لَمْ يُذكرْ اسمُ اللهِ عَليهِ ، ولا يأكُلُ الْمَيْتَةَ ، مِثلُ : أبي بكرٍ الصِّديقِ وعثمانَ بنِ عفانَ وعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ، ومِثلُ : زيدِ بنِ عمرو بنِ نُفيلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فإنَّهُ مَاتَ مُوحِّدًا .
ومِنهُم مَنْ امتنَعَ عمَّا يضرُّ بِهِ وما يُذهِبُ مروءتَهُ .
كَانَ قيسُ بنُ عاصمٍ الْمِنْقَرِيُّ شَرَّابًا للخَمْرِ في الجاهليةِ ، ثمَّ حَرَّمها على نَفْسِهَ ، وكَانَ سببُ ذلِكَ أنَّه غَمَزَ عِكْنَةَ ابنتهِ وهُوَ سَكرانٌ ، وَسَبَّ أبويهِ ، ورأى القمرَ فتكلَّمَ بشيءٍ ، وأعطى الْخَمَّارَ كثيرا مِنْ مالِهِ ، فلمَّا أفاقَ أُخْبِرَ بذلِكَ ،
فَحَرَّمها على نَفْسِهِ، وفيها يقولُ :
رأيتُ الْخَمْرَ صالحةً وفيها * خِصالٌ تُفسِدُ الرَّجُلَ الحليما
فلا واللهِ أشرَبُها صحيحا * ولا أشَفِي بِها أبدا سقيما
ولا أُعطي بِها ثَمَنًا حياتي * ولا أدْعو لَها أبدًا نَدِيـما
فإنَّ الخمرَ تَفضحُ شارِبيها *وتجنِّيهِم بِها الأمرَ العظيما
ولَمّا جاءَ الإسلامُ ما زادَ تِلكَ الأشياءَ إلاّ تحريما لِمَا لها مِن أضرارٍ على الدِّينِ والدُّنيا .
ويلتَحِقُ بِذلِكَ : التَّدخينُ ، الذي كلُّه أضرارٌ ، وليسَ فيه مَصلحةٌ واحِدة .
وقدْ أجْمَعَ العُلماءُ على تحريمِ كلِّ ما هُوَ ضارٌّ .
وذَهَبَ جماهيرُ العُلَمَاءِ المعاصرينَ إلى تحريمِ
التدخينِ بمُخْتَلَفِ أنواعِهِ .
قَالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ رَحِمَهُ اللهُ : وتَحريمُه [يَعني: التدخينَ] بالنَّقلِ الصحيحِ، والعقلِ الصَّريحِ، وكلامِ الأطباءِ المعتبرينَ . اهـ .
وقَالَ الشيخُ ابنُ سَعدِي رَحِمَهُ اللهُ : أمَّا الدَّخانُ وشُرْبُهُ والاتِّجارُ بِهِ ، والإعانةُ على ذلِكَ ؛ فَهُوَ حرامٌ ، لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ تعاطيهِ شُرْبا واستعمَالا واتِّجارا ، وذلِكَ لأنَّهُ داخِلٌ في عمومِ النُّصوصِ الدالَّةِ على التحريمِ داخلٌ لَفْظُها العامُ وفي معناها ، وتِلْكَ الْمَضَارُّ الدينيةِ والبدنيةِ والماليةِ التي يكفي بعضُها في الْحُكْمِ بتحريمِهِ ، فكيفَ إذا اجتمعتْ . اهـ .
وقَالَ شيخُنا الشيخُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ : التدخينُ ثبتَ عِندنَا أنَّه مُحرَّمٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أسبابا كثيرةً لِتحرِيمِه مِنْ أضرارِهِ المتعددةِ فَهُوَ مُحرَّمٌ بِلا شَكٍ، لأنَّهُ يَشتمِلُ عَلى أضرارٍ كثيرةٍ بيَّنَها الأطباءُ .. فَالواجِبُ على كِلِّ مُسلِمٍ تَرْكُهُ وَالْحَذَرُ مِنْهُ، لأنَّ اللهَ حَرَّمَ على المؤمنِ أنَّ يَضُرَّ نَفْسَهُ .. وهذا التدخينُ ضارُّ ضَرَرا بَيِّنا بإجماعِ أهْلِ الْمَعرفةِ، مِنْ أهلِ الطبِّ، وبإجماعِ مَنْ عَرَفَهُ وجَرَّبَهُ ، وما فيهِ مِنَ الضررِ العظيمِ. اهـ .
وَقَدْ دلّتْ أدلةُ الشريعةِ وقواعِدِها على تحريمِ التدخينِ ،
فَمِنْ ذلِكَ :
1 – أنَّ التدخينَ يُؤدِّي إلى قَتْلِ النفسِ ،
فالتدخينُ قاتِلٌ بطيءٌ ، واللهُ عزَّ وَجَلَّ يقولُ :
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ،
ويقولُ تبارَكَ وتعالى :
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .
سَوفَ يُسألُ الإنسانُ عَنْ نَفْسِهِ التي بينَ جَنبيهِ ، فإنْ قَتَلَها بِهَذا السمِّ مِنَ القَطِرانِ والنيكوتينِ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ للوعيدِ الشديدِ .
قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
2 – أنَّ التدخينَ خبيثٌ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى :
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
والْمُدخِّنُ يُدخِّنُ في كُلِّ مَكانٍ ، حَتى في أماكنِ قَضاءِ الْحَاجَةِ ، وهذا إثباتٌ عَقليٌّ وإقرارٌ مِنَ الْمُدخِّنِ على خُبثِ التدخينِ ،
إذْ لَوْ كان طّيبا لَمَا تناولَهُ في أماكنِ قضاءِ الحاجةِ !
وَمِمَّا يدُلُّ على خُبثِ التدخينِ : أنَّ البهائمَ لا تأكُلُ أوراقَ أشجارِ التَّبْغِ الذي تُصْنعُ مِنْهُ السجائرُ !
وأنَّك ترى النَّاسَ رُبما أكَلُوا أو شرِبُوا في المساجدِ بَينما لا تَجِدُ أحدًا يُدخِّنُ في المسجدِ ، ولو فَعَلَ ذلِكَ لأنَكَرَ عَليهِ الصَّغِيرُ قَبَلَ الكَبيرِ .
3 - أنَّ مِنْ قواعِدِ الشَّريعةِ : لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ، والتدخينُ يَشتمِلُ على النَّوعينِ :
فَهُوَ ضارٌّ بِمُتَعَاطِيهِ ، وضارٌّ بِغيرِهِ ، وَهُوَ ما يُعْرَفُ بِالتَّدخينِ السِّلبيِّ ، الذي يضرُّ بالأطفالِ أكْثرُ مِنْ غَيرِهِم ، بَلْ أثبَتَ الأطباءُ تَضُرُّرَ الجنينِ في رحِمِ أمِّهِ بالتدخينِ .
4- أنَّهُ شبيهٌ بِطَعَامِ أهْلِ النَّارِ الذي قَالَ اللهُ فيهِ :
(لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) ، فَلا خَيرَ في طَعَامٍ هَذَا وَصْفُهُ .
5 – أنَّهُ كَرِيهُ الرَّائحةِ ، وَقَدْ نَهَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَ أكَلَ ثُوما أو بَصلا أو كُرّاثا عنْ إتيانِ المساجِدِ ، فقَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ أكَلَ ثوما أو بصلا فَلْيعتزِلْنَا ، أوْ لَيَعْتَزِلْ مَسجدَنَا .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وقَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ أكَلَ البصَلَ والثومَ والكراثَ فلا يَقرَبنَّ مَسجِدَنا ،
فإنَّ الملائكةَ تتأذى مَمَّا يَتأذى مِنْهُ بنو آدمَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
لَقدْ رَأيتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وَجَدَ ريحَهُما مِنَ الرَّجُلِ في الْمَسْجِدِ أمَرَ به فأُخْرِجَ إلى البقيعِ .
رَوَاهُ مسلم .
6 – أنَّهُ سَبَبٌ رئيسٌ للعديدِ مِنَ الأمراضِ ، كَسَرطانِ الرئةِ ، وِسِرطانِ البلعومِ ، وسرطانِ الفَمِ ، بَلْ أثبَتَ الأطباءُ ضَرَرَ التَّدخينِ على جَميعِ أجهزةِ الْجسمِ تَبَعًا لتأثيرِهِ على الدَّمِ .
7- أنَّهُ يبعثُ على صَفاقَةِ الوجهِ وذهَابِ ماءِ الحياءِ مِنْ وجْهِ الْمُدخِّنِ ، فلا تجِدُ مُدخِّنا إلاَّ وينفثُ سَمُومَهُ في كلِّ مكانٍ ، إلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ ، فلا يُقدِّرُ كبيرا ، ولا يَرحمُ صغيرا ، وفي الحديثِ :
" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ "
رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ .
8 – أنَّ الْمُدخِّنَ في الغالِبِ يُجاهِرُ بِمعصيتِهِ ، وَقَدْ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ أمَّتي مُعَافَى إلاَّ الْمُجَاهِرينَ .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
9 – أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُفَتِّرُ كُلُّ مَا يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَافِ .
10 - أنَّ بيعَهُ وَشِراءه حَرَامٌ ؛ لِقَولِهِ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إذا حَرَّمَ أكْلَ شيءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ .
رَوَاهُ الإمامُ أحْمَدُ . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
فلا يَتِّجِرُ بِهِ أحَدٌ إلاّ حَمَلَ مِثْلَ أوزارِ الذينَ يتعاطونَهُ ، سواءً كَانَ بائعا أو موزِّعا ، أو مستوردا .
فإنْ اسْتعملَ ذلِكَ المالَ كانَ وَبَالاً عليه في الدُّنيا قَبَلَ الآخِرَةِ .
أمَّا في الدنيا فإنَّهُ يُذْهِبُ بَرَكَةَ كَسْبِهِ ، وأمَّا في الآخِرَةِ فالنَّارُ أوْلَى بِكُلِّ لَحْمٍ نبَتَ مِنْ سُحْتٍ . قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
لا يَربُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إلاَّ كانتِ النَّارُ أوْلَى بِهِ .
رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ . وصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
ومَنْ اكتسبَ مالاً مِنَ التجارةِ بالتدخينِ ، فإنَّهُ كَسْبٌ حَرَامٌ ؛ إنْ أنْفَقَ لَمْ يُقبَلْ مِنْهُ ، لِقَولِهِ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ طَيّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاّ طَيّبا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
11 – في التدخينِ إضاعةٌ لِلمَالِ ، والعَبْدُ سَوفَ يُسألُ عَنْ مَالِهِ : مِنْ أينَ اكتسبَهُ ؟ وفِيمَ أنْفَقَهُ ؟
وَقَدْ نُهينا عَنْ إضاعَةِ المالِ ، وَسَوفَ يُسألُ الإنسانُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أينَ اكتسبَهُ ؟.. وفِيمَ أنْفَقَـهُ ؟ فمَاذا عَسَاه أنْ يكونَ جوابُهُ بينَ يديْ اللهِ ؟
قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا : قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَقَدْ قَدَّرَ أحَدُ كبرى المستشفياتِ في المملكةِ خَسَائرَ عِلاجِ الحالاتِ الْمَرضيَّةِ بينَ المدخنينَ بِعشرةِ ملياراتِ دولارٍ ، تمَّ إنفاقُها خِلالَ 25 سنةٍ مَضَتْ . اهـ.
وقد بذَلَتْ كُبرى الدُّولِ الغربيةِ في حُقْبةٍ مَاضيةٍ ملياراتِ الدولاراتِ لِمُحاربةِ ومُكافحَةِ كُلِّ خبيثٍ وضارٍّ ، اعترافا مِنهُم بِضَرَرِ تِلْكَ السُّمومِ .
الثانية
الْحَمدُ للهِ مُعِزِّ مَنْ أطاعَهُ ، ومُذِلِّ مَنْ عَصَاه ، وأشهدُ ألاّ إلَهَ إلا اللهُ ، وأنَّ مُحَمدا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أوصيكُم وَنَفْسِي بتقوى اللهِ ..
عبادَ اللهِ :
إذا عُلِمَ تَحريمُ التدخينِ تحريما قاطعا ، فإنَّ حُججَ بَعضِ الْمُدخِّنينَ إنَّما هِيَ حُججٌ بَاهِتَةٌ دَاحِضَةٌ ، لا يُعْذَرُون بِها عِنْدَ اللهِ ، ولا تُنجيِّهِم يومَ القيامةِ .
فَمِنْهُم مَنْ يَحتجُّ بِأنَّهُ لا يَستَطيعُ أنْ يَتركَ التدخينَ .
وهَذِهِ حُجّةٌ دَاحِضَةٌ ، فإنِّي أعْرِفُ شخصا أدْمَنَ الْمُخدِّراتِ أكَثَرَ مِنْ عِشرينَ عاما ، فلمَّا سَمِعَ وعيدا ، وقَرَعَ بابَ قَلْبِهِ ، أقْلَعَ مِنْ ساعَتِه ، بِعزيمةٍ صادِقَةٍ ، وتوبَةٍ نَصوحٍ .
كما أنَّ أصحابَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لم يكونوا يَعرِفُونَ هذِهِ الكلِمَةَ ، بَل إذا جاءَهُم الأمرُ مِنْ أمْرِ اللهِ ومِنْ أمْرِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَوا : سَمِعْنَا وأطَعْنا ، وَلَمْ يكونوا مِثلَ أهلِ الكتابِ الذين يقولونَ : سَمِعْنا وَعَصينا .
والْمُدخِّنُ في الغالِبِ لا يَسْمَحُ لِوَلَدِهِ الصغيرِ بالتدخينِ ، لِعِلْمِهِ بضرَرِهِ ، وإنْ عانَدَ أو كابَرَ .
وَمِنهُم مَن يَحْتَجُّ مُكابِرا : بأنَّ التدخينَ ليسَ مُحرَّما !
ويتّفِقُ العقلاءُ على ضَرَرِهِ وخُبثِهِ ، فَمَنِ ادّعى أنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقدْ نازَعَ أهلَ العِلْمِ ، وَهُمْ أهلُ الاختصاصِ في الفتوى .
وأمَّا سُبُلُ العلاجِ ، فبِصِدْقِ العزيمةِ ، وصِحّةِ اللجوءِ إلى اللهِ ، والتضرّعِ إليه ، أنْ يُعافيه مِنْ ذلِكَ البلاءِ وأنْ يُذهِبَ عنه ذلِكَ الدَّاءُ ..
وأنْ يَتذكَّرَ أنَّهُ مَيّتٌ ، فَهل يَسُرُّهُ أنْ يَرى التَّدخينَ في قَبرِهِ ؟
إنَّ عَمَلَكَ هو جَلِيسُكَ في قَبرِكَ ، إمَّا مؤانِسٌ وإمَّا مُسَاوِئٌ .
وأنْ يَتذكَّرَ أنَّهُ مَوقوفٌ بَينَ يَدي اللهِ ، مسؤولٌ عَنْ مَالِهِ مِنْ أينَ اكتسبَهُ ، وفِيمَ أنفقَهُ ؟ وعَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ ؟
وعلى الْمُدخِّنِ أنْ يَبتعِدَ عنْ مجالسِ التَّدخينِ التي تُذكِّرُهُ بِها ، فإنَّ السلامةَ لا يَعْدِلُها شيءٌ .
فقدْ أرْشَدَ العالِمُ التائبَ ، فقَالَ : انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . كما في الصحيحينِ .
ويُقَالَ مِثَلَ ذلِكَ في بيئةِ السُّوءِ ومَجَالِسِ السُّوءِ ، وصُحبةِ السُّوءِ
ومَنْ صَدَقَ في نِيّةِ الإقلاعِ عنِ التدخينِ أعانَهُ اللهُ وَوَفَّقَهُ وَيَسَّرَ لَهُ الأمرَ .
وَمَنْ لَمْ يَصْدُقْ فليسَ للهِ فِيه حاجةٌ ..
اللهم أصْلَحْ أئمتنا وولاةَ أمورِنَا ..
والصلاةُ والسَّلامُ على مَن جاءَ في صِفَتِهِ :
(الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
أمَّا بَعدُ :
فإنَّ الشَّرِيعةَ جَاءَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَصَالِحِ وتَكْميلِها ، وتقليلِ الْمَفَاسِدِ وإعْدامِها ، كَمَا هُوَ مُقرَّرٌ عِندَ العلماءِ .
ومَنْ تأمَّلَ في الْمَنْهِيَّاتِ وَجَدَ أنَّها جاءتْ لِمَصْلَحَةِ الإنسانِ وحمايتِهِ ووقايتِهِ ِمِن كُلِّ ما يؤذيه ويضرُّهُ .
أيَّها المؤمنونَ :
يَتَّفِقُ العقلاءُ قبلَ وُرُودِ الشرعِ على الامتناعِ عمّا يضرُّ ؛
فقد وُجِدَ مِنْ أهلِ الجاهليةِ مَنْ لَمْ يعبدِ الأصنامَ ، ومَنْ لَمْ يشربِ الخمرَ ، بلْ وَمَنْ لَمْ يأكلْ ما ذُبِحَ للأصنامِ ، وَمَا لَمْ يُذكرْ اسمُ اللهِ عَليهِ ، ولا يأكُلُ الْمَيْتَةَ ، مِثلُ : أبي بكرٍ الصِّديقِ وعثمانَ بنِ عفانَ وعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ، ومِثلُ : زيدِ بنِ عمرو بنِ نُفيلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فإنَّهُ مَاتَ مُوحِّدًا .
ومِنهُم مَنْ امتنَعَ عمَّا يضرُّ بِهِ وما يُذهِبُ مروءتَهُ .
كَانَ قيسُ بنُ عاصمٍ الْمِنْقَرِيُّ شَرَّابًا للخَمْرِ في الجاهليةِ ، ثمَّ حَرَّمها على نَفْسِهَ ، وكَانَ سببُ ذلِكَ أنَّه غَمَزَ عِكْنَةَ ابنتهِ وهُوَ سَكرانٌ ، وَسَبَّ أبويهِ ، ورأى القمرَ فتكلَّمَ بشيءٍ ، وأعطى الْخَمَّارَ كثيرا مِنْ مالِهِ ، فلمَّا أفاقَ أُخْبِرَ بذلِكَ ،
فَحَرَّمها على نَفْسِهِ، وفيها يقولُ :
رأيتُ الْخَمْرَ صالحةً وفيها * خِصالٌ تُفسِدُ الرَّجُلَ الحليما
فلا واللهِ أشرَبُها صحيحا * ولا أشَفِي بِها أبدا سقيما
ولا أُعطي بِها ثَمَنًا حياتي * ولا أدْعو لَها أبدًا نَدِيـما
فإنَّ الخمرَ تَفضحُ شارِبيها *وتجنِّيهِم بِها الأمرَ العظيما
ولَمّا جاءَ الإسلامُ ما زادَ تِلكَ الأشياءَ إلاّ تحريما لِمَا لها مِن أضرارٍ على الدِّينِ والدُّنيا .
ويلتَحِقُ بِذلِكَ : التَّدخينُ ، الذي كلُّه أضرارٌ ، وليسَ فيه مَصلحةٌ واحِدة .
وقدْ أجْمَعَ العُلماءُ على تحريمِ كلِّ ما هُوَ ضارٌّ .
وذَهَبَ جماهيرُ العُلَمَاءِ المعاصرينَ إلى تحريمِ
التدخينِ بمُخْتَلَفِ أنواعِهِ .
قَالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ رَحِمَهُ اللهُ : وتَحريمُه [يَعني: التدخينَ] بالنَّقلِ الصحيحِ، والعقلِ الصَّريحِ، وكلامِ الأطباءِ المعتبرينَ . اهـ .
وقَالَ الشيخُ ابنُ سَعدِي رَحِمَهُ اللهُ : أمَّا الدَّخانُ وشُرْبُهُ والاتِّجارُ بِهِ ، والإعانةُ على ذلِكَ ؛ فَهُوَ حرامٌ ، لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ تعاطيهِ شُرْبا واستعمَالا واتِّجارا ، وذلِكَ لأنَّهُ داخِلٌ في عمومِ النُّصوصِ الدالَّةِ على التحريمِ داخلٌ لَفْظُها العامُ وفي معناها ، وتِلْكَ الْمَضَارُّ الدينيةِ والبدنيةِ والماليةِ التي يكفي بعضُها في الْحُكْمِ بتحريمِهِ ، فكيفَ إذا اجتمعتْ . اهـ .
وقَالَ شيخُنا الشيخُ ابنُ بازٍ رَحِمَهُ اللهُ : التدخينُ ثبتَ عِندنَا أنَّه مُحرَّمٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أسبابا كثيرةً لِتحرِيمِه مِنْ أضرارِهِ المتعددةِ فَهُوَ مُحرَّمٌ بِلا شَكٍ، لأنَّهُ يَشتمِلُ عَلى أضرارٍ كثيرةٍ بيَّنَها الأطباءُ .. فَالواجِبُ على كِلِّ مُسلِمٍ تَرْكُهُ وَالْحَذَرُ مِنْهُ، لأنَّ اللهَ حَرَّمَ على المؤمنِ أنَّ يَضُرَّ نَفْسَهُ .. وهذا التدخينُ ضارُّ ضَرَرا بَيِّنا بإجماعِ أهْلِ الْمَعرفةِ، مِنْ أهلِ الطبِّ، وبإجماعِ مَنْ عَرَفَهُ وجَرَّبَهُ ، وما فيهِ مِنَ الضررِ العظيمِ. اهـ .
وَقَدْ دلّتْ أدلةُ الشريعةِ وقواعِدِها على تحريمِ التدخينِ ،
فَمِنْ ذلِكَ :
1 – أنَّ التدخينَ يُؤدِّي إلى قَتْلِ النفسِ ،
فالتدخينُ قاتِلٌ بطيءٌ ، واللهُ عزَّ وَجَلَّ يقولُ :
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ،
ويقولُ تبارَكَ وتعالى :
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .
سَوفَ يُسألُ الإنسانُ عَنْ نَفْسِهِ التي بينَ جَنبيهِ ، فإنْ قَتَلَها بِهَذا السمِّ مِنَ القَطِرانِ والنيكوتينِ فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ للوعيدِ الشديدِ .
قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
2 – أنَّ التدخينَ خبيثٌ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى :
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
والْمُدخِّنُ يُدخِّنُ في كُلِّ مَكانٍ ، حَتى في أماكنِ قَضاءِ الْحَاجَةِ ، وهذا إثباتٌ عَقليٌّ وإقرارٌ مِنَ الْمُدخِّنِ على خُبثِ التدخينِ ،
إذْ لَوْ كان طّيبا لَمَا تناولَهُ في أماكنِ قضاءِ الحاجةِ !
وَمِمَّا يدُلُّ على خُبثِ التدخينِ : أنَّ البهائمَ لا تأكُلُ أوراقَ أشجارِ التَّبْغِ الذي تُصْنعُ مِنْهُ السجائرُ !
وأنَّك ترى النَّاسَ رُبما أكَلُوا أو شرِبُوا في المساجدِ بَينما لا تَجِدُ أحدًا يُدخِّنُ في المسجدِ ، ولو فَعَلَ ذلِكَ لأنَكَرَ عَليهِ الصَّغِيرُ قَبَلَ الكَبيرِ .
3 - أنَّ مِنْ قواعِدِ الشَّريعةِ : لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ ، والتدخينُ يَشتمِلُ على النَّوعينِ :
فَهُوَ ضارٌّ بِمُتَعَاطِيهِ ، وضارٌّ بِغيرِهِ ، وَهُوَ ما يُعْرَفُ بِالتَّدخينِ السِّلبيِّ ، الذي يضرُّ بالأطفالِ أكْثرُ مِنْ غَيرِهِم ، بَلْ أثبَتَ الأطباءُ تَضُرُّرَ الجنينِ في رحِمِ أمِّهِ بالتدخينِ .
4- أنَّهُ شبيهٌ بِطَعَامِ أهْلِ النَّارِ الذي قَالَ اللهُ فيهِ :
(لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) ، فَلا خَيرَ في طَعَامٍ هَذَا وَصْفُهُ .
5 – أنَّهُ كَرِيهُ الرَّائحةِ ، وَقَدْ نَهَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَ أكَلَ ثُوما أو بَصلا أو كُرّاثا عنْ إتيانِ المساجِدِ ، فقَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ أكَلَ ثوما أو بصلا فَلْيعتزِلْنَا ، أوْ لَيَعْتَزِلْ مَسجدَنَا .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وقَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
مَنْ أكَلَ البصَلَ والثومَ والكراثَ فلا يَقرَبنَّ مَسجِدَنا ،
فإنَّ الملائكةَ تتأذى مَمَّا يَتأذى مِنْهُ بنو آدمَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
لَقدْ رَأيتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وَجَدَ ريحَهُما مِنَ الرَّجُلِ في الْمَسْجِدِ أمَرَ به فأُخْرِجَ إلى البقيعِ .
رَوَاهُ مسلم .
6 – أنَّهُ سَبَبٌ رئيسٌ للعديدِ مِنَ الأمراضِ ، كَسَرطانِ الرئةِ ، وِسِرطانِ البلعومِ ، وسرطانِ الفَمِ ، بَلْ أثبَتَ الأطباءُ ضَرَرَ التَّدخينِ على جَميعِ أجهزةِ الْجسمِ تَبَعًا لتأثيرِهِ على الدَّمِ .
7- أنَّهُ يبعثُ على صَفاقَةِ الوجهِ وذهَابِ ماءِ الحياءِ مِنْ وجْهِ الْمُدخِّنِ ، فلا تجِدُ مُدخِّنا إلاَّ وينفثُ سَمُومَهُ في كلِّ مكانٍ ، إلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ ، فلا يُقدِّرُ كبيرا ، ولا يَرحمُ صغيرا ، وفي الحديثِ :
" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ ، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ "
رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ .
8 – أنَّ الْمُدخِّنَ في الغالِبِ يُجاهِرُ بِمعصيتِهِ ، وَقَدْ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ أمَّتي مُعَافَى إلاَّ الْمُجَاهِرينَ .
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
9 – أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُفَتِّرُ كُلُّ مَا يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الأَطْرَافِ .
10 - أنَّ بيعَهُ وَشِراءه حَرَامٌ ؛ لِقَولِهِ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إذا حَرَّمَ أكْلَ شيءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ .
رَوَاهُ الإمامُ أحْمَدُ . وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
فلا يَتِّجِرُ بِهِ أحَدٌ إلاّ حَمَلَ مِثْلَ أوزارِ الذينَ يتعاطونَهُ ، سواءً كَانَ بائعا أو موزِّعا ، أو مستوردا .
فإنْ اسْتعملَ ذلِكَ المالَ كانَ وَبَالاً عليه في الدُّنيا قَبَلَ الآخِرَةِ .
أمَّا في الدنيا فإنَّهُ يُذْهِبُ بَرَكَةَ كَسْبِهِ ، وأمَّا في الآخِرَةِ فالنَّارُ أوْلَى بِكُلِّ لَحْمٍ نبَتَ مِنْ سُحْتٍ . قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
لا يَربُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إلاَّ كانتِ النَّارُ أوْلَى بِهِ .
رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ . وصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
ومَنْ اكتسبَ مالاً مِنَ التجارةِ بالتدخينِ ، فإنَّهُ كَسْبٌ حَرَامٌ ؛ إنْ أنْفَقَ لَمْ يُقبَلْ مِنْهُ ، لِقَولِهِ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ طَيّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاّ طَيّبا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
11 – في التدخينِ إضاعةٌ لِلمَالِ ، والعَبْدُ سَوفَ يُسألُ عَنْ مَالِهِ : مِنْ أينَ اكتسبَهُ ؟ وفِيمَ أنْفَقَهُ ؟
وَقَدْ نُهينا عَنْ إضاعَةِ المالِ ، وَسَوفَ يُسألُ الإنسانُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أينَ اكتسبَهُ ؟.. وفِيمَ أنْفَقَـهُ ؟ فمَاذا عَسَاه أنْ يكونَ جوابُهُ بينَ يديْ اللهِ ؟
قَالَ عَليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا : قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَقَدْ قَدَّرَ أحَدُ كبرى المستشفياتِ في المملكةِ خَسَائرَ عِلاجِ الحالاتِ الْمَرضيَّةِ بينَ المدخنينَ بِعشرةِ ملياراتِ دولارٍ ، تمَّ إنفاقُها خِلالَ 25 سنةٍ مَضَتْ . اهـ.
وقد بذَلَتْ كُبرى الدُّولِ الغربيةِ في حُقْبةٍ مَاضيةٍ ملياراتِ الدولاراتِ لِمُحاربةِ ومُكافحَةِ كُلِّ خبيثٍ وضارٍّ ، اعترافا مِنهُم بِضَرَرِ تِلْكَ السُّمومِ .
الثانية
الْحَمدُ للهِ مُعِزِّ مَنْ أطاعَهُ ، ومُذِلِّ مَنْ عَصَاه ، وأشهدُ ألاّ إلَهَ إلا اللهُ ، وأنَّ مُحَمدا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أوصيكُم وَنَفْسِي بتقوى اللهِ ..
عبادَ اللهِ :
إذا عُلِمَ تَحريمُ التدخينِ تحريما قاطعا ، فإنَّ حُججَ بَعضِ الْمُدخِّنينَ إنَّما هِيَ حُججٌ بَاهِتَةٌ دَاحِضَةٌ ، لا يُعْذَرُون بِها عِنْدَ اللهِ ، ولا تُنجيِّهِم يومَ القيامةِ .
فَمِنْهُم مَنْ يَحتجُّ بِأنَّهُ لا يَستَطيعُ أنْ يَتركَ التدخينَ .
وهَذِهِ حُجّةٌ دَاحِضَةٌ ، فإنِّي أعْرِفُ شخصا أدْمَنَ الْمُخدِّراتِ أكَثَرَ مِنْ عِشرينَ عاما ، فلمَّا سَمِعَ وعيدا ، وقَرَعَ بابَ قَلْبِهِ ، أقْلَعَ مِنْ ساعَتِه ، بِعزيمةٍ صادِقَةٍ ، وتوبَةٍ نَصوحٍ .
كما أنَّ أصحابَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لم يكونوا يَعرِفُونَ هذِهِ الكلِمَةَ ، بَل إذا جاءَهُم الأمرُ مِنْ أمْرِ اللهِ ومِنْ أمْرِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَوا : سَمِعْنَا وأطَعْنا ، وَلَمْ يكونوا مِثلَ أهلِ الكتابِ الذين يقولونَ : سَمِعْنا وَعَصينا .
والْمُدخِّنُ في الغالِبِ لا يَسْمَحُ لِوَلَدِهِ الصغيرِ بالتدخينِ ، لِعِلْمِهِ بضرَرِهِ ، وإنْ عانَدَ أو كابَرَ .
وَمِنهُم مَن يَحْتَجُّ مُكابِرا : بأنَّ التدخينَ ليسَ مُحرَّما !
ويتّفِقُ العقلاءُ على ضَرَرِهِ وخُبثِهِ ، فَمَنِ ادّعى أنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقدْ نازَعَ أهلَ العِلْمِ ، وَهُمْ أهلُ الاختصاصِ في الفتوى .
وأمَّا سُبُلُ العلاجِ ، فبِصِدْقِ العزيمةِ ، وصِحّةِ اللجوءِ إلى اللهِ ، والتضرّعِ إليه ، أنْ يُعافيه مِنْ ذلِكَ البلاءِ وأنْ يُذهِبَ عنه ذلِكَ الدَّاءُ ..
وأنْ يَتذكَّرَ أنَّهُ مَيّتٌ ، فَهل يَسُرُّهُ أنْ يَرى التَّدخينَ في قَبرِهِ ؟
إنَّ عَمَلَكَ هو جَلِيسُكَ في قَبرِكَ ، إمَّا مؤانِسٌ وإمَّا مُسَاوِئٌ .
وأنْ يَتذكَّرَ أنَّهُ مَوقوفٌ بَينَ يَدي اللهِ ، مسؤولٌ عَنْ مَالِهِ مِنْ أينَ اكتسبَهُ ، وفِيمَ أنفقَهُ ؟ وعَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ ؟
وعلى الْمُدخِّنِ أنْ يَبتعِدَ عنْ مجالسِ التَّدخينِ التي تُذكِّرُهُ بِها ، فإنَّ السلامةَ لا يَعْدِلُها شيءٌ .
فقدْ أرْشَدَ العالِمُ التائبَ ، فقَالَ : انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . كما في الصحيحينِ .
ويُقَالَ مِثَلَ ذلِكَ في بيئةِ السُّوءِ ومَجَالِسِ السُّوءِ ، وصُحبةِ السُّوءِ
ومَنْ صَدَقَ في نِيّةِ الإقلاعِ عنِ التدخينِ أعانَهُ اللهُ وَوَفَّقَهُ وَيَسَّرَ لَهُ الأمرَ .
وَمَنْ لَمْ يَصْدُقْ فليسَ للهِ فِيه حاجةٌ ..
اللهم أصْلَحْ أئمتنا وولاةَ أمورِنَا ..